الشعوب العربية بين قمع الداخل ..وأطماع الخارج

لا يخفى على أحد حتى أطفال الحضانة أن الست أمريكا هانم لم تقف على طراطيف أصابعها خلال أيام الثورة المصرية مطالبة برحيل النظام وتمكين الشعب المصرى من تقرير مصيره من أجل عيون عشاق الحرية من المصريين الغلابة ،كما أنها لاتطالب الآن النظام السورى بالرحيل حبا فى السوريين وإشفاقا عليهم فتاريخها مع شعوب المنطقة مطعم بالكثير من الظلم والكيل بمائة مكيال وقد أذاقت بدعوى إنقاذ الشعوب وتحريرها من الحكام المستبدين الداعمين للإرهاب ملايين الأبرياء الذل والهوان ولم تفرق ترسانتها أبدا بين رجل أو طفل أو إمرأة ولعل ماعاناه الشعب العراقى من ويلات على أيدى جنرالات واشنطن خير دليل على ذلك ،وهى الآن تحوم حول المنطقة بأكملها تدعم منظمات المجتمع المدنى بالمال وبالخبرة فى كيفية إدارة عملية التحول الديمقراطى تارة وتساند الأحزاب المدنية تارة أخرى فى الوقت نفسه تمد يدها إلى الأحزاب ذات المرجعية الدينية وإلى تيارات الإسلام السياسى وتؤكد على إمكانية التعامل مع تلك التيارات بعدما وضح لها جليا أنها فى طريقها بقوة لاحتلال المشهد . وهو ما أكدته نتائج الأنتخابات فى تونس وما تدل عليه كذلك المؤشرات فى مصر ،والحقيقة التى لا تحتاج كذلك إلى جهد لإثباتها ويكفى جدا ما سجله التاريخ بخصوصها أن أمريكا على استعداد دائم للتعامل حتى مع الشيطان إذا حكم أى دولة فى المنطقة بشرطين أساسيين : الأول ان يحمى هذا الشيطان مصالحها ومصالح شعبها المرفه وثانيا :أن يتعهد هذا الشيطان بحفظ أمن إسرائيل ،ثم بعد ذلك بالنسبة لها كل شىء يتدبر سواء إن كان هذا الحاكم فاسد أو متربح أو يقوم بضطهاد أقلية ما أو حتى إبادتها أو كانت تنتهك فى ظل نظامه حقوق الإنسان بجميع الأشكال فكل هذه الأمور يتم تظبيطها بالتراضى مع الإدارة فى واشنطن وفى الغالب يدفع مقابلها كل رئيس أو زعيم وهمى غرامات ورسوم غض طرف عن التجاوزات وربما وقف إصدار تقارير ما أو رفع عقوبات أو غيره من وسائل ضغط ماما أمريكا على أبنائها فى المنطقة ، وقضية الشعوب العربية الحقيقية مع هؤلاء الذين اتخذتهم الولايات المتحدة جسورا طوال عقود لتصل إلى ما تريده فى المنطقة تارة بالسلم والمعاهدات والمعونات كما حدث مع مصر وتارة بالعقوبات والحصارثم بالحرب والدمار والغزوكما حدث فى العراق ولا يخفى على أحد اللهم إلا المغفلين- وعذرا فى التعبير – أن كل
هؤلاء الزعماء الفشنك كانوا يعلمون من البداية وباتفاق صريح أو ضمنى مباشر أو غير أن أمريكا تستخدمهم جميعا للسيطرة على الوضع فى المنطقة وكلهم حصلوا على أجورهم كاملة وإن اختلفت تلك الأجور حسب أهمية كل زعيم وخطورة موقع بلاده وتأثيرها الجغرافى وثروتها من البترول وخلافه ،كلهم حصلوا على المقابل الذى تنوع فكان :مليارات من الدولارات لهم ولأحفادهم فى بنوك العالم ،دعم لنفوذهم وسلطانهم وسكوت عن توريثهم للحكم بل وإمدادهم بالأسلحة والخبرات اللازمة لمواجهة المتظاهرين والحركات الاحتجاجية فى كل مكان وخلال ذلك لم ينقطع أبدا حديث الأمريكان ممثلين فى جميع مسئوليهم عن الحرية والديمقراطية والنزاهة وحق الشعوب فى نظم ديمقراطية وحياة كريمة حتى إذا فار التنور وخرجت الشعوب من الشقوق وحولوا الأراضى العربية إلى كتل من اللهب مطالبين بحقوقهم المشروعة فى الحياة العادلة والعيشة الكريمة وخرج الأمر من يد عرائس الماريونيت التى تحكم هؤلاء الشعوب رمت أمريكا بآخر كروتها لتحرقهم جميعا أمام شعوبهم منضمة إلى الشعوب البائسة مطالبة أمام العالم بلا خجل من هؤلاء الحكام ضرورة الرحيل بعد أن ارتدت زى الثورة وامتطت جواد الحكمة والعدالة لتصيب هؤلاء الحكام بالصدمة والدهشة وتدخلهم فى دوامة من العند والتكبر والإصرار على البقاء للنهاية وكأن لسان حالهم يقول لأمريكا : "أخذتينا لحم والآن ترمينا عضم "، ومن الطبيعى أن نسأل فى هذا السياق ولماذا يصدم هؤلاء وهم يعرفون من البداية قوانين اللعبة؟ والإجابة : لأنهم ببساطة مرضى ؛ فهم حمقى وأغبياء تمكن منهم الغرور فانساقوا وراء اللعبة ومارسوها بدرجة جعلتهم يرونها حقيقة ؛فتخيلوا من فرط ما يتمتعون به من غباء أن أمريكا جنة قد تحميهم فى وقت من الأوقات من نار شعوبهم نظير ما قدموا لها من خدمات جليلة على حساب أوطانهم طوال سنوات حكمهم ،وليس هذا فقط فقد نسى هؤلاء مع الوقت ومع ما تمتعوا به من كبر واستعلاء أن شعوبهم مازالت حية وقادرة على صنع المفاجأة وقد حدثت بالفعل فماذا صنعوا :
هرب بن على بعد مقاومة ضعيفة حيث لم يكن مدعوما بالقدر الكافى لا من جيشه ولا من أمريكا وهذا يرجع للمعايير التى سقناها فى البداية فأهمية بن على وأهمية تونس نفسها على الخريطة ليست كأهمية مصر مثلا التى أدخلت ثورتها أمريكا فى حسبة برما حتى إن التصريحات والأوامر والتحذيرات والمتابعة لتطورات الثورة لم تنقطع من واشنطن على مدار الساعة ، وكان كل ساعة تقريبا يخرج علينا مسئول فى الإدارة الأمريكية بتصريح يخص الحالة فى مصر وهو أمر طبيعى فمصر هى محور المصالح وجارة إسرائيل المهمة جدا لذلك أخذ مبارك شلوتا أمريكيا محترما لا يليق أبدا برجل قدم لهم ولحليفتهم الصغرى إسرائيل ما قدمه هو ،لكنه نسى أنه حصل على الكثير أيضا طوال حكمه حتى إن أمريكا على ما يبدو قد سارت معه فى رؤيته للتوريث إلى النهاية من منطلق " خليك ورا الكداب " بعدما بذل محاولات مستميته لإقناعها بقبول جمال كوريث شرعى لحكم البلاد . أما القذافى الذى تكالبت على نفسه الأمراض بالجمله فصار تشخيصها مستحيلا فقد تآمرعليه الغرب برعاية أمريكا ولاقى نهايته الطبيعية بعد إصراره على أن يهدم المعبد على الجميع فترك ليبيا خرابة للبوم والغربان – مع كامل تقديرى للوضع الآن – ومازالت أمريكا تلاعب بشار وتتشدق بالديمقراطية وبالإصلاحات ومازال الشعب السورى يئن من وطأة عند بشار وقسوته بينما هى فى الواقع مشغولة بكيفية إدارة مصلحتها هى والعزيزة إسرائيل بعدما إطمأنت على حالها فى مصر .. اللعبة تدور بين أطراف كبيرة فى الخارج تملك الكثير وأطراف أخرى بالداخل تحكم بالحديد والنار وتقايض على الشعوب وتتخذها أحيانا دروعا بشرية ضد التهديدات أما من يكبش النار بيديه ويتألم كل يوم من شدة القمع والظلم ويعانى من شتى صنوف العذاب هى الشعوب التى وقعت بين فكين مفترسين : فك الانظمة التى لا تريد أن ترحل إلا بالدم وفك القوى الكبرى وعلى رأسها امريكا التى لاتريد لهذه الشعوب الحرية والكرامة بقدر ما تريد أنظمة جديدة أليفة مستأنسة تحمى مصالحها وتحافظ على الاستقرار وتكمل معها مشوار الخونة السابقين عليهم ...فمن لهذه الشعوب فى النهاية إلا الله

بقلم الاستاذ جمال فتحى

» الثورات العربية: الانهيارات المتتالية للنظم السياسية العربية
» أشهر الثورات المضادة فى تاريخ الشعوب
» ‮ ‬التحليل‮ ‬الثقافى للثورات‮ ‬العربية
» بدء تصويت المصريين في الخارج في الانتخابات البرلمانية
» صور برج خليفه من الداخل والخارج.....أعلى برج فى العالم