بركات أصغر ضحايا الثأر بالصعيد

كان قدره أن يلقى حتفه بنيران الثأر ليكون أصغر ضحايا الجرائم الثأرية في تاريخ الصعيد ، يسألنا عن طفولته المغتالة ودميته المصنوعة من القماش ومقعده الشاغر في المدرسة وحكايات الجدة التي ماتت كمدا عليه ..

لا يسأل "بركات " -ابن الأربع سنوات- عن قدره، إنما يسأل عن ذنبه في أنه ولد في مجتمع الأعراف فيه أصبحت بديلا عن القانون، والتنمية وإزاحة الجهل مجرد رفاهية، والتعليم ديكور سخيف ؛ ثم يتحدث المحتفون بالإنجازات عن حقوق الطفل في كل الأزقة والنجوع وكأنهم يختزلون التنمية في بلاد الصعيد بجرعات التطعيم والوجبة المدرسية .

فلم يكن الأب بخيت بركات -34سنه " مزارع" - يدرى يوما أن تاريخ وفاته سيدون على خلفية صورة فوتوغرافية تذكارية هو وابنه بركات، 4سنوات، وليس فقط في تصاريح الدفن وشهادة الوفاة . ففي قرية" أبو حزام " ـ القرية الأكثر دموية هي وجارتها " حمرة دوم" في صعيد مصر 35كم شمال مدينة قنا ــ استيقظ " بخيت" يوم الحادث مبكرا، وطلب من زوجته أن تجهز ولديه للذهاب لمدينة نجع حمادي لشراء ملابس ولالتقاط صور فوتوغرافية تذكارية لهما معه.

النزهة الأخيرة

قامت الزوجة - أحكام سراج أبو الحسن- بتجهيز بركات ومصطفى للتنزه في نجع حمادي برفقة والدهما وعمهما "عبد الناصر " الذي يستكمل الرواية قائلا : وصلنا نجع حمادي الساعة العاشرة وذهبنا لمكتب البريد وسألنا عن حوالة بريدية مرسلة من شقيقنا الثالث الذي يعمل في السعودية ؛ وذهب شقيقي " بخيت " لأحد الاستوديوهات في وسط المدينة ثم جلسنا على مقهى بعد أن اشترينا لوازم البيت. وفى الساعة الواحدة ظهرا ونحن في طريقنا لموقف سيارات الأجرة وجدت أحد الأشخاص يترقبنا.. حذرت شقيقي فقال " مايقدرش يعمل حاجة إحنا في طريق عام والقدر له أنفاذ ".

استقللنا سيارة أجرة وجلست أنا ومصطفى بجوارالسائق وبخيت وبركات في الخلف، وعند مدخل البلد " قرية أبو حزام " نزل بخيت وبركات أولا بينما كنت أدفع الأجرة ؛ وفوجئت بسيارة دبابة ربع نقل وعليها شخصان في الخلف وقاما بإطلاق النار عشوائيا على بخيت وبركات الذي كان يمسك بيد أيبه حتى أردوهما قتيلان .

ويستكمل عبد الناصر: أنا ألقيت نفسي في المشروع " المصرف الزراعي " ومصطفى اختبأ في البيوت المجاورة؛ كان نصيب بركات ذلك الطفل الوديع من وابل النيران خمس طلقات في وجهه وظهره، تم إطلاقها عن قرب مثلما جاء في تقرير الطبيب الشرعي بعد انفلات يديه عن أبيه الذي سقط صريعا إثر الكم الكبير من الأعيرة النارية التي تلقاها في أماكن متفرقة في جسده .

عندما وصلت لقرية أبو حزام لأحضر إحياء الذكرى السنوية لـ " بركات " ووالده قبل أيام ، سألت عبد الناصر عن جدة بركات التي كانت تتعلق به وأكثر من تأثرت بالحادث، فقد تذكرت كلماتها بعد الحادث بأيام وهى تنوح على حفيدها الوديع الذي ماتت حزنا عليه.. " ناره أكتر من نار أبوه.. طفل صغير مالوش ذنب.. مدوا عليه البندقية وقتلوه وطاروا بالعربية، حرام عليهم ده الضرب في الميت حرام..أنا عاوزة أبرد ناري يا ولدى.. عاوزة حكم العدل فيهم الظلمة.. دا لما تكون عندينا فرخة صغيرة مش بندبحها ونستناها لما تكبر"

ويعلق عبد الناصر قائلا : لجأنا للقضاء وأنصفنا وعاقب الجناة بالمؤبد ..

سألته: ولماذا لم تلجأ للثأر.. أليس هو العرف السائد في منطقتكم ؟ فرد قائلا:
عائلتي الهمامية التي تنحدر من قبيلة هوارة البلابيش فقدت منذ السبعينيات وحتى الآن نحو خمسة عشر رجلا في المعارك والخصومات الثأرية، وكنت أستطيع أن أمارس هذا العرف مثلما جرت العادة ولكني عندما رأيت أبناء شقيقي " بخيت " مصطفى وخالد سألت نفسي ما مصيرهما في هذا العالم لو خلفت لهما تركة من الدماء؟! ساعتها سوف يوهبان نفسهما للثأر ويصبحان بلا مستقبل ويتفرغان للتربص بالخصوم ويلازمهما الخوف طيلة العمر .

» نجع حمادى | المئات يتجمعون أمام مستشفي نجع حمادي عقب نقل جثث ضحايا المنا صرة
» أسماء ضحايا حادث طريق قنا - سفاجا
» قنا :تهديدات بتأسيس برلمان موازٍ بالصعيد.. الغول: الصعايدة مستعدون لاحتلال ميدان التحرير ما دامت الأمور تؤخذ بالصوت العالي
» قنا: قصة أقدم ديوان بالصعيد وصوره التاريخية فى شهر رمضان.
» خريطة المواجهات بين أحزاب الفلول والقوى الإسـلامـــــــــية بالصعيد والقاهرة والإسكندرية