ضياءأبونحول مـشـرف
عدد المساهمات : 1613 تاريخ التسجيل : 24/04/2011 الموقع : (إن مرت الأيام ولم تروني, فهذه مشاركاتي فتذكروني وإن غبت ولم تجدوني, اكون وقتها بحاجه للدعاء فادعولى.)
| موضوع: هل تنتج الثورة ديمقراطية؟ السبت ديسمبر 03, 2011 12:08 pm | |
| لا تؤدى الثورات حتما إلى الديمقراطية، فلم يحدث أن تحول أى بلد إلى النظام الديمقراطى عن طريق ثورة!.. هكذا علَّمنا التاريخ، لكن يبدو أننا نرفض أن نتعلم.. فى القرن الماضى شهدنا الثورة الروسية والثورة الصينية والثورة الإيرانية - وكلها ثورات شعبية وليست انقلابا عسكريا أدى إلى ثورة مجتمعية وسياسية واقتصادية كما حدث فى ثورة يوليو52 - تلك الثورات الشعبية لم تصنع نظاما ديمقراطيا حرا فكل ما فعلته، بعد سنوات من الفوضى، أن استبدلت نظاما شموليا بنظام شمولى آخر!!
هذه الحقائق التاريخية حقائق دامغة.. لكن لايعنى هذا تدعيماً للرأى الذى يقول ببقاء النظام مع إحداث تغييرات إصلاحية، ولا يعنى أيضاً انتقاصاً من حجم و أهمية الثورة التى قام بها شعب مصر فى الخامس والعشرين من يناير من هذا العام، و لكن فقط حتى لاتأخذنا الأمنيات لأبعد مما يمكن أن تطوله أيدينا.. وأيضاً حتى نقدر صعوبة الحصول على نظام ديمقراطى من مجرد سقوط السلطة الشرعية لنظام مبارك وأعوانه وما استتبعه من صراع على السلطة وما تسبب عنه من فوضى، لا نعلم إلى متى ستدوم.
الثورة الفرنسية - مثلاً - بكل ما فيها من مثالية: الإخاء، الحرية، المساواة، استمرت فى فوضى عارمة من القتل والاغتيالات والدمار الذى حصد 5,2 مليوناً فرنسى من أصل 28 مليون فى خلال 25 سنة، ولم يحصلوا بعد هذه الثورة على نظام ديمقراطى بل حصلوا على ..«نابليون».!!
أيضاً.. الثورة البلشيفية فى روسيا استمرت فى فوضى 10 سنوات من سنة1918 إلى 1928 عانى فيها الشعب الروسى من حروب وفوضى وثورات مضادة حصدت حياة عشرات الملايين من الروس. ثم جاء.. «ستالين»!
نعلم أن الثورة تعطى قوة وسلطاناً للشعب، ولكن يحدث هذا فقط فى عالم اليوتوبيا أو المدينة الفاضلة، ففيها فقط يكون أمراً رائعاً ومرغوباً فيه.. ولكن ما يحدث فى الواقع شىء آخر نستطيع أن نرى شواهده واضحة فى مصر الآن، فها هو الشعب المصرى غير قادر أن يوحد كلمته ويدعم جهة واحدة يدفع بها للحكم، وها هم المصريون منقسمون على أنفسهم ولا أحد يضمن ألا تقوم ثورات لفئات من الشعب تدعو إلى سقوط الأنظمة المستقبلية وأن يستمر الحال فى فوضى من الثورات والمظاهرات للمطالبة بسقوط هذا النظام أو ذاك. فقد انفتحت شهية المصريين للاحتجاجات ورفض كل ما هو نظامى ورسمى.. حتما يحدث ذلك بعد أى ثورة شعبية ولكن كم ستستمر هذه الفوضى: شهورا أم سنوات لكى تستقر مصر فى نهاية الأمر؟ وهل تتحمل الفئات الفقيرة فى مصر - التى تمثل أكثر من 40 فى المئة من الشعب المصرى - تدهور الاقتصاد الناتج من هذه الفوضى؟.. وإلى أى مدى؟
وإذا كانت الثورة تعنى بمعناها الحرفى - بخلاف شعاراتها المثالية وأهدافها الإنسانية - تعنى هدم النظام الحالى والإطاحة بكل رموزه سواء بالتهميش، الإقالة، النفى، أو الاغتيال، وإحلال هذه الرموز برموز أخرى. فإن النخبة الحالمة المثالية المعتدلة التى قامت بالثورة غالبا ما تذهب هى الأخرى عقب الثورة مباشرةـ وهذا حدث عندنا فكلنا لايزال يتساءل أين هم هؤلاء الشباب الذين فرحنا بهم طيلة الأيام الثمانية عشرة الأولى من عمر الثورة والذين أذهلوا العالم كله بنقائهم وتحضرهم لدرجة قيامهم بتنظيف الميدان قبل مغادرته، هؤلاء ضاعوا فى الزحام ولم يتبق سوى رموز ذات فكر ثورى متطرف يغلب عليها الرفض التام للحوار أو المفاوضة وطبعا ترفض تماما التعايش السلمى من أجل إصلاحات بطيئة ولكن مضمونة.
إن التغيير الحقيقى فى نظام الحكم لايكون إلا بإحداث تغييرات فى المجتمع على أن تكون التغييرات بطيئة وبإجماع الرأى العام لكى لا تحدث فرقة، وأن تكون التغييرات جدية وبضمانة الشعب نفسه سواء بالاعتصامات أو التظاهرات السلمية، وطبعا هذا يحتاج إلى صبر وإصرار على الإصلاح ويستلزم أيضا نشر الوعى فى المجتمع المصرى بما نحن مقبلون عليه من تغييرات وإصلاحات سياسية لكى يتمكن الشعب من استيعاب تلك التغييرات.
التحول إلى الديمقراطية يستلزم إصلاحا سياسيا وأحزابا سياسية معارضة حقيقية، ومجتمعا مدنيا ناضجا، وجامعات ونقابات تمارس فيها حرية الانتخاب، وفوق كل ذلك تتطلب قيادة قوية لها شعبية. وإلى أن يستوعب المجتمع التغييرات المطلوبة للتحول إلى الديمقراطية وكيفية التغيير السلمى بالإجراءات الشرعية سيظل المجتمع فى حالة فوضى وانعدام أمن مما سيتطلب - كضرورة حتمية - سيطرة قوة ديكتاتورية أخرى لتوفير الأمن الغائب. وساعتها سيقبل بها المجتمع طواعية لأنه سيكون قد أنهك من الفوضى والاضطرابات أسيكون مستعدا لشراء أمنه وأمانه ولو بديمقراطية وليدة لم يستطع دفع ثمنها الباهظ.
ترى هل أنت معى فى هذه النتائج أم سيفاجئنا الشعب المصرى كما فاجأنا من قبل بثورته التى أذهلت العالم.. هل يفعلها المصريون ويغيرون أحداث التاريخ ويحصدون ثمار ثورتهم حرية وديمقراطية ورخاء.. وهل يتركهم المتربصون ينعمون بما زرعت أيديهم؟.. أشك.. ولكن من قلبى أتمنى.. ادعوا معى يا رب احمِ مصر.
كتبت/الفت جعفر | |
|