ضياءأبونحول
مـشـرف
عدد المساهمات : 1613
تاريخ التسجيل : 24/04/2011
الموقع : (إن مرت الأيام ولم تروني, فهذه مشاركاتي فتذكروني وإن غبت ولم تجدوني, اكون وقتها بحاجه للدعاء فادعولى.)
 |  موضوع: اليمن.. محنة الرئيس التوافقي  الخميس أغسطس 16, 2012 3:22 pm | |
|  فى فبراير الماضى (2012) أدى المشير الركن عبدربه منصور هادى اليمين الدستورية أمام مجلس النواب اليمنى كرئيس جديد لليمن خلفا للرئيس المخلوع على عبدالله صالح، وذلك بعد فوزه فى الاستفتاء الشعبى كرئيس توافقى لا منافس له. ويأتى هذا التحول فى ضوء المبادرة التى تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجى وعدلت عدة مرات قبل أن يوقعها الرئيس المخلوع على عبدالله صالح فى 23 نوفمبر
. ونتناول فى هذه السطورالتطورات التى أسفرت عن هذا التحول فى القيادة السياسية اليمنية، ثم التحديات الخطيرة والعقبات التى تواجه الرئيس الجديد فى أدائه لمهامه والوفاء بما عاهد به الشعب اليمنى عند أدائه اليمين الدستورية.
أولا- التطورات السياسية والأمنية خلال عام:
الوصول إلى الاستفتاء الشعبى الذى أجرى فى اليمن فى الحادى والعشرين من فبراير الماضي(2012) والذى شارك فيه نحو 60٪ ممن لهم حق التصويت، والذى أسفر عن فوز عبدربه منصور هادى بنسبة 99.8٪ من الأصوات ــ وفق ما أعلنته لجنة الانتخابات ــ جاء بعد مخاض عسير تمثل فى ثلاثة تطورات أساسية شهدها اليمن خلال عام كامل على النحو التالي:
1ـ التطور الأول تمثل فى الاحتجاجات الشعبية التى انطلقت فى فبراير 2011 للمطالبة بإسقاط نظام على عبدالله صالح ، وما رافق تلك الاحتجاجات من ردود فعل أمنية رسمية، بقمع المحتجين ، حيث قتل خلال قمع المظاهرات أكثر من 400 محتج، وأصيب الآلاف.
2ـ التطور الثانى تمثل فى مشهد المواجهات التى اندلعت بين القوات الموالية لصالح والقوات التى انشقت عن الجيش والأمن، وأيضا المواجهات التى دارت بين صالح وخصومه السياسيين ، كأسرة الأحمر التى تتزعم قبيلة حاشد التى ينتمى إليها صالح نفسه، وهى مواجهات عنيفة خلفت دمارا كبيرا فى أحياء كثيرة من العاصمة صنعاء، وغيرها من المناطق. ثم توج المشهد الأمنى والعسكرى فى اليمن بمحاولة الاغتيال التى تعرض لها صالح وكبار مسئولى الدولة فى 3 يونيو 2011 داخل "جامع النهدين" بقصر الرئاسة فى صنعاء، وهى المحاولة التى أصيب فيها صالح بإصابات خطيرة، وكذا رئيس مجلس الشورى، عبدالعزيز عبدالغني، الذى توفى متأثرا بجراحه بعد أشهر من الحادث، كما أصيب كبار رجال الدولة وحتى الآن لم تعلن نتائج التحقيق .
3ـ أما التطور الثالث فكان تدخل دول الجوار ممثلة فى دول مجلس التعاون الخليجى لوقف المواجهات العسكرية المسلحة عبر مبادرة جرى جدل بشأنها، ومازالت بعض القوى فى ساحات الاعتصام ترفضها وترفض الحصانة التى منحتها للرئيس على عبدالله صالح وكبار معاونيه من الملاحقة القضائية عن فترة حكمه التى امتدت لنحو 33 عاما لليمن. وبعد جهود دبلوماسية حثيثة، تمكنت دول الخليج من إقناع كل الأطراف بمبادرتها والبدء فى تطبيقها على أرض الواقع من خلال تشكيل حكومة الوفاق الوطنى برئاسة المعارضة فى تكتل " اللقاء المشترك"، ومناصفة مع حزب المؤتمر الشعبى العام الذى يقوده على عبدالله صالح، كما جرى تشكيل لجنة عسكرية بدأت فعليا فى وقف المواجهات، وإزالة المظاهر العسكرية المسلحة من العاصمة صنعاء وغيرها من المدن، وجاء إجراء الاستفتاء الشعبى على الرئيس التوافقى عبدربه منصور هادى فى فبراير 2012 تتويجا لتلك الجهود الخليجية، وبدعم قوى من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ثانيا- التحديات التى تواجه الرئيس اليمنى الجديد:
من المؤكد أن انتخاب هادى رئيسا توافقيا جديدا لليمن ليس نهاية للأزمة التى يعانى منها اليمن، حيث يواجه هادى عدة تحديات وعقبات أمام وفائه بتعهداته للشعب اليمنى فى خطابه فور أدائه اليمين الدستورية أمام مجلس النواب فى 25 فبراير 2012، أهمها ما يلي:
1ـ رحيل على عبدالله صالح من الحكم لا يعنى رحيل كل من كان يدور فى فلكه فى السلطة، حيث بقى هؤلاء فى مواقعهم القيادية ، ومن غير المعروف ما إذا كانوا سيسمحون للرئيس الجديد بإعادة هيكلة الدولة أم سيواصلون تلقى الأوامر من الرئيس المخلوع على عبدالله صالح، على الرغم من أن الرئيس الجديد هو ابن العهد البائد، وهل المعارضة ستقبل أى استمرارية للنظام السابق أم ستتحرك مجددا باللجوء إلى الشارع.
2ـ ما إن بدأ فى التحضير لانتخاب هادى حتى علت مجددا أصوات الحراك الجنوبى المشككة فى جدوى استمرار اليمن موحداً، والداعية إلى انفصال الجنوب عن الشمال والعودة إلى تأسيس دولة مستقلة. وكان قادة الحراك الجنوبى قد أعلنوا الهدنة أثناء الثورة على نظام على عبدالله صالح ريثما يتم إسقاطه على أن يعودوا مجددا إلى المطالبة بالانفصال.
3ـ عمد الحوثيون فى الشمال إلى تجميد مطالبهم أثناء الثورة، ولكن مع البدء فى التحضير لانتخاب هادى أعادوا إلى الواجهة حراكهم المناهض للسلطة تحت شعار المطالبة بدور أساسى لهم فى بنية الدولة فى العهد الجديد، من منطلق أنهم يعتبرون أنفسهم مهمشين، ومناطقهم تفتقر إلى الحد الأدنى من التنمية، ومن المشاريع الحيوية.
4ـ ما إن تم انتخابه حتى بادر الرئيس هادى إلى مطالبة المجتمع الدولى بتقديم مساعدات عاجلة إلى اليمن لتأمين احتياجات الشعب من المواد الأساسية، خصوصا المحروقات والمواد الغذائية والأدوية، الأمر الذى يعكس حجم الأزمة المعيشية التى يمر بها اليمن من دون التغافل عن الأزمة الاجتماعية الخانقة، حيث يعم الفقر والبطالة وانعدام بنى تحتية حديثة ومتطورة.
5ـ بات تنظيم القاعدة يحتل موقعا مهما وخطيرا على خريطة اليمن لأنه استفاد من فترة اندلاع الثورة وانشغال قوات الأمن بالنزاعات الداخلية ليتمدد فى أكثر من منطقة، فأقدمت عناصره على السيطرة على مدينة رادع ، وأعلنت ولادة إمارة إسلامية تمهيدا لبسط نفوذها على كامل التراب اليمني، وتم ذلك وسط صمت عربى ودولي، فلم يحرك أحد ساكنا باستثناء القبائل والعشائر اليمنية التى دخلت فى مفاوضات مع تنظيم القاعدة وأقنعته بالتخلى عن مدينة رادع، والانسحاب بعد الموافقة على شروطه التى ترفض عودة السلطة الشرعية إلى المدينة وتسليمها إلى أشخاص محايدين لإدارة شئونها. وما أن انسحب تنظيم القاعدة من رادع حتى أعلن بعد أيام قليلة سيطرته على مدينة أبين. وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد وعد بالقضاء على تنظيم القاعدة فى اليمن إلا أنه لم يتطرق إلى أى خطة مرسومة فى هذا الشأن. وقد استقبل تنظيم القاعدة الرئيس اليمنى الجديد بمحاولة اقتحام القصر الرئاسى فى المكلا عاصمة محافظة حضرموت مما أدى إلى سقوط 30 قتيلا غالبيتهم من الحرس الجمهوري.
6ـ يعانى الجيش اليمنى من تمزق كبير، فهناك فرق موالية للنظام السابق، وأخرى موالية للمعارضة، وقد جرت بينهما صدامات واشتباكات مما أوجد هوة بينهما من الصعب رأبها. يضاف إلى ذلك أن مراكز القوى القبلية والعسكرية لا تريد للرئيس الجديد النجاح فى مهمته، فهو عضو فى حزب المؤتمر الشعبى الذى يتزعمه على عبدالله صالح، وسواء استقال هادى من الحزب أم استطاع الفصل بين عمله الرسمى وانتمائه الحزبى فإن عليه أن يتقرب لجميع الأحزاب ولا يفضل حزبا على آخر. ورغم حقيقة أن النظام اليمنى جمهوري، فإنه يستند إلى معادلات وتوازنات قبلية فى جوهرها، فالمؤسسة العسكرية (الجيش) تحولت إلى مؤسسة أسرية يسيطر عليها أبناء صالح وأبناء أخوته وبقية أقاربه، لذا يصعب كسب ولاء الجيش للحكومة الانتقالية الجديدة، كما أن شبكة العلاقات الواسعة التى تركها الرئيس المخلوع قد تخلق اشكالية للرئيس الجديد ، فهذه الشبكة تشمل أنصار صالح من شيوخ القبائل الذين يحظون بسلطة مطلقة من مناطقهم ولديهم امتيازات ومخصصات كبيرة مقابل السكوت والصمت عن حقوق المواطنين فى تلك المناطق. هذه الاشكالية خلقت هى الأخرى انشقاقات وفقدان الدولة لسلطانها فى المناطق القبلية.لذلك فالتحدى الأكبر الذى أمام هادى هو إبعاد الجيش عن نفوذ القبائل ، وتأكيد دوره كمؤسسة للاندماج الوطنى بدلا من الطابع القبلى المناطقي.
خاتمة:
وهكذا، فإن الرئيس التوافقى الجديد فى اليمن رغم أنه يمثل حلا توفيقيا وسطيا للأزمة اليمنية، إلا أنه حل لا يرضى الثوار اليمنيين الذين ناضلوا منذ أكثر من عام وما زالوا يناضلون لتحقيق أهداف ثورتهم فى إسقاط نظام الرئيس المخلوع على عبدالله صالح، حيث إنه من الواضح أن الشيء الوحيد الذى تحقق هو الإطاحة برأس النظام دون أركانه وجذوره، فضلا عن منحه الحصانة ضد الملاحقة القضائية، الأمر الذى دفع بالثوار الشباب إلى الاستمرار فى مظاهراتهم واحتجاجاتهم مطالبين باستكمال تحقيق أهداف الثورة، وتطهير الجيش من أتباع صالح، ومحاكمته على الجرائم التى ارتكبها فى حق الشعب اليمني. ولعل عودة بؤر التوتر التقليدية خاصة الحركة الانفصالية فى الجنوب، والحوثيين فى الشمال، وتصاعد عمليات تنظيم القاعدة، جميعها تثير التساؤل حول قدرة الرئيس عبدربه منصور هادى ــ الذى وصف بأنه رئيس توافقى رغم أنه ليس كذلك ــ على مواجهة هذه التحديات، وتحقيق الاستقرار والتنمية لليمن الذى لم يعد سعيدا منذ زمن بعيد. وفى الحقيقة، فإن فكرة مجيء هادى كرئيس توافقى عبر استفتاء شعبى وصفته وسائل الإعلام خطأً بأنه انتخابات رئاسية، هو أمر يعبر عن عمق الأزمة التى يواجهها اليمن عقب خلع صالح، فالتغيير الذى كافح من أجله الثوار اليمنيون فى ساحة التغيير واستشهد من أجله المئات لم يكن إلا تغييرا شكليا ، لم يمس جوهر النظام المطلوب تغييره، وحتى الرئيس الجديد ليس جديدا بالمرة، فهو من اختيار الرئيس المخلوع ، بل ومن أركانه، وإذا كان الثوار مازالوا موجودين فى ساحة التغيير بصنعاء فمن أين جاء التوافق حول عبدربه منصور هادى؟!.
د.أحمد فارس عبدالمنعم*مستشار سياسي بوزارة الإعلام
| |
|
