ضياءأبونحول مـشـرف
عدد المساهمات : 1613 تاريخ التسجيل : 24/04/2011 الموقع : (إن مرت الأيام ولم تروني, فهذه مشاركاتي فتذكروني وإن غبت ولم تجدوني, اكون وقتها بحاجه للدعاء فادعولى.)
| موضوع: مصطفى صادق الرافعي... كاتب المحكمة الذي أصبح أديب العرب الجمعة ديسمبر 09, 2011 2:41 pm | |
| الأديب مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن عبد القادر الرافعي يعد من رموز مصر الذين لا يُشق لهم غبار في مجال الأدب، وينتهي نسبه الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وفد جده الشيخ عبد القادر من الشام الى مصر في منتصف القرن الثالث عشر الهجري، وعلى يده تخرج كبار علماء مصر. وقد وفد من آل الرافعي الى مصر طائفة كبيرة اشتغلوا في القضاء وفقا لمذهب الامام أبي حنيفة النعمان حتى آل الأمر الى ان اجتمع منهم في وقت واحد أربعون قاضيا في مختلف المحاكم المصرية؛ وأوشكت وظائف القضاء ان تكون حِكراً عليهم، وقد تنبه المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر لذلك وأثبتها في بعض تقارير الى وزارة الخارجية البريطانية. ولد الرافعي في قرية بهتيم ـ محافظة القليوبية بمصر، في يناير 1880، عمل والده عبدالرزاق رئيسا للمحاكم الاسلامية الشرعية في كثير من الأقاليم، حتى عمل رئيسا لمحكمة طنطا الشرعية. عرف عنه الشدة في الحق، والورع الصادق، والعلم الغزير. وأمه هي ابنة الشيخ الطوخي من أصول حلبية، وكان والدها تاجرا تسير قوافله ما بين الشام ومصر، وأقام في قرية بهتيم. عجّ منزل والده بالعلماء من كل حدب وصوب، وزخرت مكتبة والده بنفائس الكتب، وأتم حفظ القرآن قبل بلوغه العاشرة من عمره. انتسب الى مدرسة دمنهور الابتدائية، ثم انتقل الى مدرسة المنصورة الأميرية، التي حصل منها على الشهادة الابتدائية وعمره آنذاك سبع عشرة سنة. وأصاب الرافعي مرض لم يتركه حتى أضعف سمعه وفي سن الثلاثين أضحى أصم تماما. اضطره المرض الى ترك التعليم الرسمي، واستعاض عنه بمكتبة أبيه الزاخرة، اذ عكف عليها حتى استوعبها وأحاط بما فيها. عمل في عام 1899 ككاتب محكمة في محكمة طلخا ، ثم انتقل الى محكمة طنطا الشرعية، ثم الى المحكمة الأهلية، وبقي فيها حتى لقي وجه ربه الكريم. نظم الرافعي الشعر في بدايات شبابه، قبل بلوغه العشرين من عمره، وأصدر ديوانه الأول في العام 1903 الذي كان له صدى عظيم بين كبار شعراء مصر، اذ كتب فيه البارودي والكاظمي وحافظ ابراهيم شعرا، كما أرسل له الشيخ محمد عبده وزعيم مصر مصطفى كامل له مهنئين.. وبمستقبل باهر متنبئين. تزوج الرافعي في عام 1904 من ابنة عائلة البرقوقي من مدينة المنصورة، وعاش حياة زوجية نموذجية، وفي العام 1912 رحل الى لبنان ، حيث ألف كتابه «حديث القمر»، وصف فيه مشاعر الشباب وعواطفهم وخواطر العشاق في أسلوب رمزي على ضرب من النثر الشعري البارع، وبعد وقوع الحرب العالمية الأولى ، ونزوع المستعمر الى تحويل جميع خيرات البلاد لهذه الحرب، ما ترك أهلها ضحايا للجوع والفقر، ما جعل أرقام هؤلاء تزيد على ضحايا الحرب ذاتها. نظر الرافعي حوله فرأى بؤساً متعدد الألوان، مختلف الصور والأشكال، فانعكس ذلك كله في كتابه «كتاب المساكين». في العام 1924 أخرج كتاب رسائل الأحزان ، عن خواطر في الحب، ثم أتبعه بكتاب السحاب الأحمر والذي تحدث فيه عن فلسفة البغض وطيش الحب. تلا ذلك كتابه «أوراق الورد» ذكر فيه حنين العاشق المهجور، ومنية المتمني وذكريات السالي، وفن الأديب وشعر الشاعر. وجد الرافعي دعوة التجديد قناعا للنيل من اللغة العربية مصورة في أرفع أساليبها «الشعر الجاهلي» وبابا يقصد منه الطعن في القرآن الكريم والتشكيك في اعجازه، ومدخلا يلتمس فيه الزراية بالأمة منذ كان للعرب شعر وبيان. لذلك ما فتئ يقاوم هذه الدعوة، جهادا تحت راية القرآن، يبتغي به وجه الله تعالى، فجمع في كتابه تحت راية القرآن كل ما كتب عن المعارك التي دارت بين القديم وكل ما هو جديد، ما جعله أفضل الكتب العربية في النقد ومكافحة الرأي بالرأي، ما جعله أعلى كتبه مكانة بعد رائعته «وحي القلم» . في العام 1934 بدأ الرافعي يكتب كل أسبوع مقالة أو قصة، ليتم نشرها أسبوعيا في مجلة الرسالة ، والتي أجمع الأدباء والنقاد على ان ما نشرته الرسالة لهو أبدع ما كتب في الأدب العربي الحديث والقديم، جمع أكثرها في كتاب «وحي القلم». استطاع الرافعي خلال فترة حياته الأدبية التي تربو على خمس وثلاثين سنة انتاج مجموعة كبيرة ومهمة من الدواوين والكتب أصبحت علامات مميزة في تاريخ الأدب العربي. كان الرافعي ناقدا أدبيا عنيفا حاد اللسان والطبع لا يعرف المداراة، ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس. وكان يهاجم خصومه على طريقة عنترة، يضرب الجبان ضربة ينخلع لها قلب الشجاع، فكانت له خصومات عديدة مع شخصيات عنيدة وأسماء نجوم في الأدب والفكر والثقافة في مطلع القرن، فكانت بينه وبين المنفلوطي خصومة ابتدأها هذا الأخير بسبب رأي الرافعي في شعراء العصر. وكانت له صولات مع الجامعة المصرية حول طريقة تدريس الأدب العربي، وجولات أخرى مع عبد الله عفيفي وزكي مبارك. على ان أكثر معاركه شهرة وحدّة هو ما كان بينه وبين طه حسين، وبينه وبين العقاد، بل لعلها أشهر وأقسى ما في العربية من معارك الأدب. توفي الرافعي في مايو 1937 عن عمر يناهز 57 عاماً وكان اذ ذاك لايزال يعمل كاتبا ومحصلا ماليا في محكمة طنطا، وهو العمل الذي بدأ به حياته العملية في العام 1900م. ففي يوم الاثنين العاشر من مايو من العام 1937 استيقظ فيلسوف القرآن لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد الى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار، وجدوه قد فاضت روحه الطيبة الى بارئها، وحمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر الى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا. | |
|